فصل: السؤال الثاني: كيف موقع قوله: {هُمْ فِيهَا خالدون} بعد قوله: {فَفِى رَحْمَةِ الله}؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عادل:

قوله: {أكَفَرْتُمْ} هذه الجملة في مَحَلِّ نصب بقول مُضْمَرٍ، وذلك القول المضمر- مع فاء مضمرة- أيضا- هو جواب أما، وحذف الفاء مع القول مطرد، وذلك أن القول يُضْمَر كثيرًا، كقوله تعالى: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم} [الرعد: 23- 24].
وقوله: {والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا} [الزمر: 3]، وقوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القواعد مِنَ البيت وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127]، وأما حذفها دون إضمار القول فلا يجوز إلا في ضرورة.
كقوله: [الطويل]
فأمَّا الْقِتَالُ لا قَتالَ لَديْكُمُ ** وَلِكِنَّ سَيْرًا في عِرَاضِ الْمَوَاكِبِ

أي: فلا قتال.
وقال صاحب أسرار التنزيل: إنّ النحاة اعترض عليهم- في قولهم: لما حذف يقال: حُذِفت الفاء؛ بقوله تعالى: {وَأَمَّا الذين كفروا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تتلى عَلَيْكُمْ} [الجاثية: 31]، فحذف يقال، ولم يحذف الفاء، فلما بطل هذا تعيَّن أن يكون الجواب في قوله: {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}، فوقع ذلك جوابًا له، ولقوله: {أَكَفَرْتُم} ومن نظم العرب- إذا ذكروا حرفًا يقتضي جوابًا له- أن يكتفوا عن جوابه حتى يذكروا حرفًا آخر يقتضي جوابًا، ثم يجعلون له جوابًا واحدًا، كما في قوله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38]، فقوله: {فلا خوف عليهم} جواب للشرطين معًا، وليس {أفلم تكن آياتي} جواب إما بل الفاء عاطفة على مقدَّر، والتقدير: أأهملتكم، فلم أتل عليكم آياتي؟
قال أبو حيان: وهو كلام أديب لا كلام نحويّ، أما قوله: قد اعترض على النحاة، فيكفي في بُطْلان هذا الاعتراض أنه اعتراض على جميع النحاة؛ لأنه ما من نحويٍّ إلا خرَّج الآيةَ على إضمار: فيُقال لهم: أكفرتم، وقالوا: هذا هو فَحْوَى الخطابِ، وهو أن يكون في الكلام شيء مقدَّر لا يستغني المعنى عنه، فالقول بخلافه مخالف للإجماع، فلا التفات إليه.
وأما ما اعترض به من قوله: {وَأَمَّا الذين كفروا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي} [الجاثية: 31] وأنهم قدروه: فيقال لهم: أفلم تكن آياتي، فحذف فيقال ولم تحذف الفاء، فدل على بطلان هذا التقدير- فليس بصحيح، بل هذه الفاء التي بعد الهمزة في {أفَلَمْ} ليست فاء فيقال التي هي جواب أما- حتى يقال: حذف يقال وبقيت الفاء، بل الفاء التي هي جواب أما ويقال بعدها- محذوف، وفاء أفلم يحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون زائدة.
وقد أنشد النحويون على زيادة الفاء قول الشاعر: [الطويل]
يَمُوتُ أناسٌ أوْ يَشِيبُ فَتَاهُمُ ** وَيَحْدُثُ نَاسٌ، والصَّغِيرُ فِيَكْبُرُ

أي: صغير يكبر، وقول الآخر: [الكامل]
لَمَّا اتَّقَى بِيَدٍ عَظِيمٍ جِزمُهَا ** فَتَرَكْتُ ضَاحِيَ جِلْدِهَا يَتَذَبْضَبُ

أي: تركت، وقول زُهير: [الطويل]
أرَانِي إذَا ما بِتُّ بِتُّ عَلَى هَوًى ** فَثُمَّ إذَا أصْبَحْتُ أصْبَحْتُ غَادِيَا

يريد ثم إذا.
وقال الأخفش: وزعموا أنهم يقولون: أخوك فوجد، يريدون: أخوك وجد.
والوجه الثاني: أن تكون الفاء تفسيرية، والتقدير: فيقال لهم ما يسوؤهم، أفلم تكن آياتي، ثم اعتني بحرف الاستفهام، فتقدمت على الفاء التفسيرية، كما تتقدم على الفاء التي للتعقيب في قوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض} [يوسف: 109] وهذا على رَأي من يثبت أن الفاء تفسيرية، نحو توضأ زيد فغسل وجهه ويديه.. إلى آخر أفعال الوضوء، فالفاء- هنا- ليت مرتِّبة، وإنما هي مفسِّرة للوضوء، كذلك تكون في {أفلم تكن آياتي تتلى عليكم} مفسرة للقول الذي يسوؤهم.
وقوله: فلما بطل هذا تعين أن يكون الجواب: تذوقوا، أي: تعيَّن بطلان حذف ما قدَّره النحويون، من قوله: فيقال لهم؛ لوجود هذه الفاء في أفلم تكن، وقد بيَّنَّا أن ذلك التقدير لم يبطل؛ وأنه سواء في الآيتين، وإذا كان كذلك فجواب: أما هو فيقال- في الموضعين- ومعنى الكلام عليه، وأما تقديره: أأهملتكم فلم تكن آياتي تتلى عليكم؟ فهذه نزعة زمخشرية، وذلك أن الزمخشريَّ يقدِّر بين همزة الاستفهام وبين الفاء فِعْلًا يصح عطف ما بعدها عليه، ولا يعتقد أن الفاء والواو، وثم إذا دخلت عليها الهمزة- أصلهن التقديم على الهمزة، لكن اعتني بالاستفهام، فقدم على حرف العطف- كما ذهب إليه سيبويه وغيره من النحويين- وقد رجع الزمخشريّ إلى مذهب الجماعة في ذلك، وبطلان قول الأول مذكور في النحو وقد تقدم- في هذا الكتاب- حكاية مذهب الجماعة في ذلك، وعلى تقدير قول هذا الرجل- أأهملتكم فلم تكن آياتي، لابد من إذمار القول، وتقديره: فيقال: أاهملتكم؛ لأن هذا المقدَّر هو خبر المبتدأ، والفاء جواب أما، وهو الذي يدل عليه الكلام، ويقتضيه ضرورة.
وقول هذا الرجل: فوعق ذلك جوابًا له ولقوله: {أكفرتم} يعني: أن {فذوقوا العذاب} جواب لأما ولقوله: {أكفرتم} والاستفهام- هنا- لا جواب له إنما هو استفهام على طريق التوبيخ والإرذال بهم.
وأما قول هذا الرجل: ومن نظم العرب إلى آخره، فليس كلام العرب على ما زعم، بل يُجْعَل لكُلٍّ جوابٌ، أن لا يكن ظاهرًا فمقدَّر، ولا يجعلون لهما جوابًا واحدًا.
وأما دعواه ذلك في قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} [البقرة: 38] وزعمه أن قوله تعالى: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38]. انتهى.
والهمزة في {أكَفَرْتُمْ} للإنكار عليهم، والتوبيخ لهم، والتعجُّب من حالهم.
وفي قوله: {أكَفَرْتُمْ} نوع من الالتفات، وهو المُسَمَّى عند علماء البيان بتلوين الخطاب، وذلك أن قوله: {فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ} في حكم الغيبة، وقوله- بعد ذلك {أكَفَرْتُمْ} خطاب مواجهة.
قوله: {فَذُوقُوا} من باب الاستعارة، جعل العذاب شيئًا يُدْرَك بحاسَّةِ الأكْل، والذوق؛ تصويرًا له بصورة ما يُذَاق.
وقوله: {بِمَا كُنْتُمْ} الباء سببية، وما مصدرية، ولا تكون بمعنى: الذي؛ لاحتياجها إلى العائد، وتقديره غير جائز، لعدم الشروط المجوِّزة لحَذْفِه. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}:

.قال الفخر:

فيه فوائد:
الأولى: أنه لو لم يذكر ذلك لكان الوعيد مختصًا بمن كفر بعد إيمانه، فلما ذكر هذا ثبت الوعيد لمن كفر بعد إيمانه ولمن كان كافرًا أصليًا.
الثانية: قال القاضي قوله: {أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم} يدل على أن الكفر منه لا من الله وكذا قوله: {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.
الثالثة: قالت المرجئة: الآية تدل على أن كل نوع من أنواع العذاب وقع معللًا بالكفر، وهذا ينفي حصول العذاب لغير الكافر. اهـ.

.قال الخازن:

عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليردنَّ عليَّ الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رفعوا إليّ اختلجوا دوني فلأقولن أي رب أصحابي أصحابي فيقال لي لا تدري ما أحدثوا» زاد في رواية فأقول: «سحقًا لمن بدل بعدي».
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يرد على يوم القيامة رهط من أصحابي أو قال من أمتي فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول: أنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدباهم القهقهرى» وقيل هم الخوارج الذين خرجوا على عليّ بن أبي طالب وقتلهم وهم الحرورية.
عن زيد بن وهب أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي لما ساروا إلى الخوارج فقال عليّ: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة».
بشير بن عمرو.
قال: قلت لسهل بن حنيف هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئًا قال: سمعته يقول وأهوى بيده إلى العراق «يخرج منهم قوم يقرؤون القرأن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية» وقيل هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة كالقدرية ونحوهم ومن قال بهذا القول يقول كفرهم بعد إيمانهم هو خروجهم من الجماعة ومفارقتهم في الاعتقاد.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم يصبح لارجل مؤمنًا ويسمى مؤمنًا، ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا» وقال الحارث الأعور: سمعت على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: على المنبر إن الرجل ليخرج من أهله فما يؤوب إليهم حتى يعمل عملًا يستوجب به الجنة وإن الرجل ليخرج من أهله فما يعود إليهم حتى يعمل عملًا يستوجب به النار ثم قرأ {يوم تبيض وجوه} الآية ثم نادى هم الذين كفروا بعد الإيمان ورب الكعبة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (107):

قوله تعالى: {وَأَمَّا الذين ابيضت وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ الله هُمْ فِيهَا خالدون (107)}

.من أقوال المفسرين:

.قال الألوسي:

{وَأَمَّا الذين ابيضت وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ الله} أي الجنة فهو من التعبير بالحال عن المحل والظرفية حقيقية، وقد يراد بها الثواب فالظرفية حينئذٍ مجازية كما يقال: في نعيم دائم وعيش رغد وفيه إشارة إلى كثرته وشموله للمذكورين شمول الظرف ولا يجوز أن يراد بالرحمة ما هو صفة له تعالى إذ لا يصح فيها الظرفية ويدل على ما ذكر مقابلتها بالعذاب ومقارنتها للخلود في قوله تعالى: {هُمْ فِيهَا خالدون} وإنما عبر عن ذلك بالرحمة إشعارًا بأن المؤمن وإن استغرق عمره في طاعة الله تعالى فإنه لا ينال ما ينال إلا برحمته تعالى ولهذا ورد في الخبر «لن يدخل أحدكم الجنة عمله فقيل له: حتى أنت يا رسول الله؟ فقال: حتى أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمته».
وجملة هم فيها خالدون استئنافية وقعت جوابًا عما نشأ من السياق كأنه قيل: كيف يكونون فيها؟ فأجيب بما ترى وفيها تأكيد في المعنى لما تقدم، وقيل: خبر بعد خبر وليس بشيء، وتقديم الظرف للمحافظة على رؤوس الآي، والضمير المجرور للرحمة، ومن أبعد البعيد جعله للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلافًا لمن قال به، وجعل الكلام عليه بيانًا لسبب كونهم في رحمة الله تعالى وكون مقابلهم في العذاب كأنه قيل: ما بالهم في رحمة الله تعالى؟ فأجيب بأنهم كانوا خالدين في الخيرات، وقرئ ابياضت واسوادت. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} انظر تفاوت ما بين التقسيمين هناك جمع لمن اسودّت وجوههم بين التعنيف بالقول والعذاب، وهنا جعلهم مستقرّين في الرحمة، فالرّحمة ظرف لهم وهي شاملتهم.
ولما أخبر تعالى أنَّهم مستقرّون في رحمة الله بيَّن أنّ ذلك الاستقرار هو على سبيل الخلود لا زوال منه ولا انتقال، وأشار بلفظ الرّحمة إلى سابق عنايته بهم، وأن العبد وإنْ كثرت طاعته لا يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى.
وقال ابن عباس: المراد بالرحمة هنا الجنة، وذكر الخلود للمؤمن ولم يذكر ذلك للكافر إشعارًا بأنَّ جانب الرحمة أغلب.
وأضاف الرحمة هنا إليه ولم يضف العذاب إلى نفسه، بل قال: {فذوقوا العذاب} ولما ذكر العذاب علّله بفعلهم، ولم ينص هنا على سبب كونهم في الرحمة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ووقعت تأويلات من المسلمين وقعوا بها فيما حذرهم منه القرآن، فتفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات: الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» مثل أهل الردة الذين ماتوا على ذلك، فمعنى الكفر بعد الإيمان حينئذ ظاهر، وعلى هذا المعنى تأول الآية مالك بن أنس فيما روى عنه ابن القاسم وهو في ثالثة المسائل من سماعه من كتاب المرتدين والمحاربين من العتبية قال ما آية في كتاب الله أشد على أهل الاختلاف من أهل الأهواء من هذه الآية يوم تبيض وجوه وتسود وجوه قال مالك: إنما هذه لأهل القبلة.
يعني أنها ليست للذين تفرقوا واختلفوا من الأمم قبلنا بدليل قوله: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}.
ورواه أبو غسان مالك الهروي عن مالك عن أبن عمر، وروي مثل هذا عن ابن عباس، وعلة هذا الوجه فالمراد الذين أحدثوا بعد إيمانهم كفرا بالردة أو بشنيع الأقوال التي تفضي إلى الكفر ونقض الشريعة، مثل الغرابية من الشيعة الذين قالوا بأن النبوة لعلي، ومثل غلاة الإسماعيلية أتباع حمزة بن علي، وأتباع الحاكم العبيدي، بخلاف من لم تبلغ به مقالته إلى الكفر تصريحا ولا لزوما بينا مثل الخوارج والقدرية كما هو مفصل في كتب الفقه والكلام في حكم المتأولين ومن يؤول قولهم إلى لوازم سيئة.
وذوق العذاب مجاز للإحساس وهو مجاز مشهور علاقته التقييد. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

.السؤال الأول: ما المراد برحمة الله؟

الجواب: قال ابن عباس: المراد الجنة، وقال المحققون من أصحابنا: هذا إشارة إلى أن العبد وإن كثرت طاعته فإنه لا يدخل الجنة إلا برحمة الله، وكيف لا نقول ذلك والعبد ما دامت داعيته إلى الفعل وإلى الترك على السوية يمتنع منه الفعل؟ فإذن ما لم يحصل رجحان داعية الطاعة امتنع أن يحصل منه الطاعة وذلك الرجحأن لا يكون إلا بخلق الله تعالى، فإذن صدور تلك الطاعة من العبد نعمة من الله في حق العبد فكيف يصير ذلك موجبًا على الله شيئًا، فثبت أن دخول الجنة لا يكون إلا بفضل الله وبرحمته وبكرمه لا باستحقاقنا.

.السؤال الثاني: كيف موقع قوله: {هُمْ فِيهَا خالدون} بعد قوله: {فَفِى رَحْمَةِ الله}؟

الجواب: كأنه قيل: كيف يكونون فيها؟ فقيل هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون.

.السؤال الثالث: الكفار مخلدون في النار كما أن المؤمنين مخلدون في الجنة، ثم أنه تعالى لم ينص على خلود أهل النار في هذه الآية مع أنه نص على خلود أهل الجنة فيها فما الفائدة؟

والجواب: كل ذلك إشعارات بأن جانب الرحمة أغلب، وذلك لأنه ابتدأ في الذكر بأهل الرحمة وختم بأهل الرحمة، ولما ذكر العذاب ما أضافه إلى نفسه، بل قال: {فَذُوقُواْ العذاب} مع أنه ذكر الرحمة مضافة إلى نفسه حيث قال: {فَفِى رَحْمَةِ الله} ولما ذكر العذاب ما نص على الخلود مع أنه نص على الخلود في جانب الثواب، ولما ذكر العذاب علله بفعلهم فقال: {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} ولما ذكر الثواب علله برحمته فقال: {فَفِى رَحْمَةِ الله} ثم قال في آخر الآية: {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْمًا للعالمين} وهذا جار مجرى الاعتذار عن الوعيد بالعقاب، وكل ذلك مما يشعر بأن جانب الرحمة مغلب، يا أرحم الراحمين لا تحرمنا من برد رحمتك ومن كرامة غفرانك وإحسانك. اهـ.